مقالة رئيسية:
محمد بن عبد اللهالجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام كانت مجموعة من الأعراب (البدو الرحل) أو المدنيين (أهل القرى و سكان المدن الصغيرة) ينتظمون في
قبائل . و يعتبر الولاء للقبيلة و تحالفاتها الأساس في تنظيم المجتمع العربي ( البدوي بشكل غالب ) (مفهوم
العصبية). كانت الغالبية العظمى تدين
بالوثنية إضافة لأقليات يهودية و مسيحية وكانت
مكة مركزا دينيا يؤمه العرب من كل صوب لأداء الحج إلى البيت الحرام الذي بناه
إيراهيم .
في هذا الجو ظهر
محمد (ص) ليجهر بالإسلام ، و كان أهم تأثير سياسي للإسلام أنه استطاع إقامة
دولة في
المدينة المنورة يسودها
تشريع يحكم الجميع ، و وثائق و معاهدات مع
الأقلية اليهودية التي كانت تسكن المدينة . لاحقا استطاع المسلمون هزم المشركين في عدة معارك و فتحت
مكة قبل وفاة رسول الله بعامين فحطمت
أوثان العرب التي كانت موجودة في الكعبة و اعلن التوحيد .
التوحيد الذي جاء به الإسلام لم يكن دينيا روحيا فقط بل كان أيضا اجتماعيا سياسيا ، فالجزيرة العربية كلها دخلت في عقيدة واحدة و أصبح لها كيان واحد و قبلة واحدة و إله واحد هو
الله . في حين ضعفت
العصبيات القبلية و المطامع المادية في تلك الفترة مؤقتا قبل أن تعود للظهور بعد أن حقق المسلمون انتصارات مهمة لإسقاط دولة
الساسانيين و فتح بلاد الشام .
عصر الخلافة الراشدة
مقالة رئيسية:
خلافة راشدةتوفي النبي
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في عام
632 ميلادي ، تاركا للمسلمين قواعد دين واضحة و كتاب الله
القرآن الكريم ، لكن قضية إدارة شؤون الأمة السياسية لم تكن واضحة و متفق عليها عند الجميع ، لذلك فإن اول معضلة كانت ستواجه المسلمين هي قضية الخلافة أو قيادة الأمة و هي قضية ما زالت موضع خلاف حتى اليوم بين الفريقين العريضين :
السنة و
الشيعة .
كان البعض من أنصار
علي بن أبي طالب يرون ان عليا (ابن عم الرسول و زوج ابنته) هو الحق بخلافة الرسول الكريم لكن آراءا اخرى كثيرة كانت مطروحة فالأنصار كانوا يطالبون بثمن نصرتهم للرسول و إيوائهم المهاجرين باختيار خليفة منهم ، و أغلبية المهاجرون كانت ترى ان هذا الأمر لا يمكن ان ينعقد إلا لشخص من
قريش ، و انتهت المفاوضات في
سقيفة بني ساعدة إلى مبايعة
أبي بكر الصديق خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم و هو من أوائل معتنقي الإسلام و هو من اختاره رسول الإسلام ليهاجر معه من مكة إلى المدينة .
استلم أبو بكر الصديق خلافة الأمة في مرحلة دقيقة ، فغياب الرسول
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم شجع الكثير من القبائل العربية التي اعلنت ولائها للإسلام إلى إعلان العصيان و محاولة الخروج عن سلطة المدينة عن طريق رفضها دفع
الزكاة في حين أعلن البعض الاخر ارتداده عن الإسلام و ظهر العديد من مدعي النبوة في أرجاء مختلفة من الجزيرة العربية . عرف أبو بكر مباشرة ان مثل هذه الحركات تهدد وحدة الأمة و الدين و كان رده مباشرة عن طريق مجموعة حملات عسكرية على القبائل المرتدة عرفت
بحروب الردة .
لم تستمر خلافة
أبي بكر الصديق إلا سنتين وثلاثة أشهر وثمانية أيام استطاع خلالها إهماد حركة الردة و الخروج عن سلطة المدينة . و قبل موته عادت مشكلة الخلافة من جديد فما كان من أبي بكر إلا أن حلها بالوصية إلى
عمر بن الخطاب الذي أصبح خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم و سيلقب
بأمير المؤمنين . استمر حكم ابن الخطاب عشر سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما تمت خلالها معظم اوائل
القتوحات الإسلامية خصوصا
فتح بلاد الشام و
و بلاد الرافدين و
و مصر داحرين الوجود
البيزنطي و
الساساني في كلا من بلاد الشام و العراق و مصر . اقتحم المسلمون غمار البحار في عهد عمر بن الخطاب و هزموا البيزنطيين في
معركة ذات الصواري . كل هذا جعل من الدولة الإسلامية تتحول إلى بداية إمبراطورية مترامية الأطراف تشمل العديد من الأراضي و الأقوام و الشعوب . تدفقت الأموال على
المدينة المنورة و انتعشت الحياة الاقتصادية مما أثار فعليا مخاوف أمير المؤمنين الذي عرف بزهده و عدله ، و رغم ما عرف به
عمر من عدل يتجلى في قصص كثيرة (قصة ابن عمرو بن العاص مع القبطي : متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) فإن انهيار الدولة الساسانية الكامل شكل غيظا شديدا عند بعض الفرس و المجوس ، مما سيجعل ابن الخطاب يلقى حتفه على يد مجوسي يدعى
أبو لؤلؤة .
قبل وفاة
ابن الخطاب يفطن إلى طريقة جديدة في اختيار الخليفة القادم تخلصه من مسؤولية الاختيار و التي ستكون تطبيقا فريدا لمباديء
الشورى التي يحض عليها الإسلام : ما كان من عمر إلا أن اختار مجموعة من ستة أشخاص (هم من بقي من العشرة المبشرين بالجنة) أي انهم أشخاص قد حازوا رضا الله و رسوله و أمرهم أن يجتمعوا بعد موته لاختيار خليفة المسلمين .
انحصر امر الخلافة بعد أول جلسة شورى بين
علي بن أبي طالب و
عثمان بن عفان و هو أيضا صهر لرسول الله (ص) ، مما دفع بالأمر لإجراء استقتاء في المدينة قام به
عبد الرحمن بن عوف و كانت نتيجته لصالح
عثمان بن عفان ، و يشير الكثير من المؤرخين أن الناس كانت قد ملت سياسات ابن الخطاب التقشفية و كانت تخشى أن زاهدا جديدا مثل ابن أبي طالب سيستمر بزجرهم من الاستمستاع بالثروات الجديدة ، أما ابن عفان فهو ثري أصلا و رغم تعبده و تقواه فهو لا يرى ضير من التمتع بما آتاه الله من نعم .
يقسم عادة المؤرخون خلافة ابن عفان (اثنتا عشر سنة) إلى قسمين : ستة سنوات جيدة و ست سنوات في اضطربات و فتنة . الست سنوات الأولى توبعت فيها الفتوحات و استمر تقدم الجيوش الإسلامية في
شمال إفريقيا و
آسيا الوسطى ، أما الست السنوات الأخيرة فقد تميزت بظهور الاضطرابات سيما في ماطق مثل
العراق و
مصر . و على ما يبدو ان امورا اقتصادية و التعقيدات الاجتماعية الجديدة الناشئة عن تشكل مجتمعات جديدة : قبائل عربية وافدة ، سكان أصليين ، جيوش إسلامية ، حضارات سابقة في الأراضي المفتوحة الجديدة قد بدأت بإفراز تأثيراتها في هذه السنين الست ، البعض يشير أيضا إلى أهمية وجود مؤامرات من عناصر دخيلة على المجتمع الإسلامي ، و تتجمع هذه الآراء التي تشير إلى
نظرية المؤامرة في شخصية تاريخية موضع جدال شديد تدعى
عبد الله بن سبأ . المحتجون على سياسة
عثمان كانت تشير إلى امتيازات يحصل عليها أقرباؤه من
بني أمية إضافة إلى مجموعة من الانتقادات الشرعية ، استمرت هذه الاعتراضات إلى ان انتهت
بفتنة مقتل عثمان و هي أول فتنة داخلية تلم بالمسلمين .
تسلم
علي بن أبي طالب مقاليد الخلافة بعد بيعة سريعة في المدينة ليواجه وضعا متأزما في الدولة الإسلامية بعد مقتل عثمان . و المشكلة الأساسية أن من بين أنصاره أشخاصا كانوا متهمين بالمشاركة في مقتل عثمان . و نتيجة لذلك سيمتنع
معاوية بن أبي سفيان عن بيعة علي ، و قد كان واليا على بلاد الشام ممكنا نفوذه في عاصمته
دمشق و ما حولها .
بعد فترة وجيزة ، سينقل علي بن أبي طالب مركز قيادته إلى
الكوفة حيث يتجمع انصاره و شيعته ، مبتعدا عن المدينة المنورة و الصحابة ، و سيدخل لاحقا في نزاع مع اثنين من العشرة المبشرين بالجنة :
طلحة بن عبيد الله و
الزبير بن عوام و معهم
أم المؤمنين عائشة في
معركة الجمل ، منتصرا في النهاية رغم كراهيته لهذا النصر.
من جديد سيحاول
علي أن يستعيد السيطرة على الشام عن طريق مواجهة
معاوية بن أبي سفيان في
معركة صفين التي ستنتهي دون حسم و الاتفاق على
مسألة التحكيم بين معاوية و علي . لكن مسألة التحكيم التي كان ممثلا الخصمين فيها :
أبو موسى الأشعري و
عمرو بن العاص ستنتهي دون حل. بل إنها ستخلق مشكلة جديدة لعلي عندما يلوم علي بعض أنصاره على قبوله التحكيم ، فقبول التحكيم بحد ذاته خروج عن حكم الله ، و ستخرج هذه المجموعة من جيش ابن أبي طالب و سيدعون لاحقا
بالخوارج.
سيتحول
الخوارج لاحقا إلى ألد خصوم علي الذي سيهزمهم بعدة معارك أهمها
معركة النهروان ، لكنه في النهاية سيلقى مصرعه على يد رجل منهم يدعى
أبو ملجم .