lbcaira Admin
عدد الرسائل : 329 العمر : 40 تاريخ التسجيل : 18/12/2006
| موضوع: حدود مملكة داود الخميس يناير 25, 2007 8:41 am | |
|
أدت الهزائم المتتالية ببني إسرائيل إلى إدراك شيوخها بضرورة اتحاد قبائلهم لمواجهة خطر الفلسطينيين، فطلبوا من زعيمهم الديني النبي صموئيل آخر القضاة ـ الذين حكموهم ـ تعيين ملكاً عليهم، نظراً لتقدمه في السن. فاختار لهم شاءول بن قيس (1) ليكون أول ملك على بني إسرائيل، الذي نشأ في أسرة فقيرة متواضعة، وكان يرعى أبقار أبيه، وبذلك انتهت فترة عصر القضاة بعد أن ألقى النبي صموئيل خطبة الوداع ببني إسرائيل حيث بيّن فيها معارضته للنظام الملكي.
وادعّت التوراة أن القبائل الإسرائيلية الاثنتى عشرة التي كانت منتشرة فوق الجبال الفلسطينية قد عقدت تحالفاً في شكيم، وتشير بعض الاجتهادات إلى أن هذه القبائل قد أرسلت وفوداً أو ممثلين عنها لتشكيل مجلس للعشائر، إلاَّ أن هذا الرأي تم رفضه حتى من بعض التوراتيين الذين يعتقدون اعتماداً على النص التوراتي، بأن القبائل المتحالفة كانت تفتقر إلى حكومة مركزية أو وحدة سياسية في الوقت الذي كانت فيه الممالك الآرامية من عمونيين ومؤابيين وأدوميين قد تشكلت منذ فترة طويلة، وتحول هذا التحالف إلى دولة سياسية بقيادة شاءول.
وفكرة الملكية عند بني إسرائيل لـم تأتِ من مصادر خارجية فحسب، وإنما تشكلت هذه الفكرة بالتدريج على أُسس مُقتبسة من جيرانهم ومن الدول المجاورة لهم؛ غير أنها اختلفت نوعاً ما في ناحيتين: فالتنظيم القبلي بقي لأغراضٍ إدارية من جهة، كما أن الملك كان عليه أن يحكم وفق أوامر يهوه (إله بني إسرائيل)، يضاف إلى ذلك اختلاط الموسويين (أتباع موسى عليه السلام) خلال عصر القضاة بالكنعانيين فعرفوا منهم الملكية، مما حملهم إلى النظر في فوائد الحكومة الملكية، ولعل ما شاهـدوه من أبهة الملك في الشعوب المحيطة بهم دفعهم للإقتداء بهم، فجمعوا كلمتهم ونصبوا عليهم ملكاً، وبذلك تحولت المحالفة الضعيفة بين القبائل إلى مملكة إسرائيلية، وكانت فترة الملكية الفترة الفاصلة في تاريخ بني إسرائيل مع أنها لم تقم على أساس ثابت، فلم يستطع ملوكها العظـام أمثـال داود وسليمـان القضاء تماماً على عوامل الهدم داخل مملكتهم.
بـــدأ عهد الملكية بالملك شاءول ولم تتعدَّ حدود مملكته، عشيرته بنيامين، وكان مسكنه عبارة عن خيمة، وحاول قيادة بني إسرائيل وإخـراجهم من وضع المذلة والانحلال، فلم ينجح، وظل الكنعانيون يقاومونه، هم والفلسطينيون (أقوام البحر)، وكان شاءول قد اتخذ من "جيبا" عاصمة له، واستبدل بذلك التجمع حول الإله يهوه بالحكم الملكي الذي لم يرض عنه المتدينون واعتبروا التطور الجديد تقليداً أجنبياً، الأمر الذي أضعــف قوة شاءول الذي حاول السيطرة على الوضع بالأساليب العسكرية، إلاَّ أنه بقى يفتقر إلى السلطة المركزية وانضمام القبائل تحت لوائه، وكان لهذه الحالة أثرها المباشر على الأوضاع العسكرية والصراع مع الفلسطينيين.
وأُصيب شاءول في أواخر حياته بلوثة عقلية فاتهم كثير من أتباعه بالخيانة ومن بينهم داود الذي عمل لديه موسيقياً وزوجه ابنته ميكال وجعله أحد كبار قواده، وانتهى أمر شاءول بهزيمته على يد الفلسطينيين وقتلهم لأولاده الثلاثة وإصابته هو بجروحٍ بليغة أدت إلى موته في معركة "جلبوع" (فقوعة) من أرض فلسطين، ودلت الحفريات في "تل الفول" على أن شاءول لم يحكم سوى جزء صغير من أرض فلسطين، وبذلك لم ينجح شاءول بتوحيـد الشمال والجنوب وتحرير بني جلدته من يد العبودية رغم أن النظام الملكي بقي قائمـاً بعــده، ودام حكم شاءول على قومه قرابة العامين.
فترة حكم داود (1010- 971 ق.م.):
بدأ الصعود الرهيب لنجم داود، الذي جعل من الإسرائيليين قوة سياسية، كان داود في بداية أمره حامل سلاح لشاءول، الذي عمد فيما بعد على إبعاده لغيرةٍ وقعت في نفسه من داود نتيجة لانتصارات الأخير ضد الفلسطينيين من ناحية ولنبوءة النبي صموئيل لشاءول بأن الرب سيمنح المملكة لداود، والأكثر من ذلك أنه حاول قتله، فهرب داود إلى بيت لحم في الضفة الغربية لنهر الأردن.
ونقوم هنا بإيراد تاريخ النبي والملك داود كما ورد في العهد القديم مع تحفظنا الشديد بل ورفضنا القاطع لما ورد في روايات العهد القديم فيما يمس شخص نبي مرسل مثل داود وذلك بتصوير تلك الروايات له بأنه شخص غير سوي يرتكب الفاحشة ـ تعالى الله عما يقولون وعما يصورون به نبي من أنبيائه ـ كما نتحفظ فيما يخص الرواية التي تحدثت عن مملكة داود المترامية الأطراف والتي بلغت من نيل مصر إلى فرات العراق، وسوف نقوم بالرد على تلك الادعاءات في حينها.
زعم العهد القديم أن داود كوّن في منفاه زمرة مسلحة للغزو كما تدعي التوراة، وعمل داود مع مرتزقته في خدمة الفلسطينيين، الذين كانوا آنذاك يحاربون بني إسرائيل، وضاعف داود غاراته لحساب "أخيش" ملك جت الفلسطيني، وفي ذلك ورد في التوراة ما نصه: "وضرب داود الأرض ولم يستبق رجلاً ولا امرأة وأخذ غنماً وبقراً وحميراً وجمالاً وثياباً ورجع وجاء إلى أخيش"، وبذا اعتقد "أخيش" الملك الفلسطيني أن داود قد أصبح مكروهاً من بني جلدته الإسرائيليين، وبالتالي أصبح عبداً مخلصاً له.
ويعلق المفكر الفرنسي رجاء جارودي على غارات داود على قومه بأن الأمر في هذه الغارات لم يكن أمر تحريم وإبادة مقدسة، أمر بها يهوه الرب، كما كانت على عهد يشوع بن نون، وإنما كانت مجرد عمليات سطو مسلح، دنيوية محضة، وسياسية، قامت بها المملكة التي سوف يشيدها داود، لا مع الفــرق المجندة في الأسباط بل مع جنده المحترفين من كل جنس، والذين كان لهم تأثير هائل متفوق، غير أن الفكر الإنساني يرفض هذه الهراءات المزعومة والمنسوبة إلى نبي من أنبيـــاء الله، رغم أن المروجين لها هم الإسرائيليين أنفسهم أتباع داود، فكيف يحل لنبي من الناحية الدينية أن يكوّن عصابة مسلحة من المرتزقة يكون عملها الأساسي قتل الأنفس وسرقة الماشية والثياب، فضلاً عن ذلك اتهام داود نفسه بأنه قد عمل مرتزقاً لدى أعداء قومه، ويرُد القرآن الكريم على هؤلاء ليدحض مكرهم بتدنيس سيرة نبي صالح من أنبياء الله هو داود ـ الذي ضرب به رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل لمن أراد العمل بحرفة شريفة كريمة ـ قال تعالى: "... وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ".
لم يتردد داود كذلك في أن تكون له علاقات مع قبائل الجنوب، ومع قبيلة (سبط) يهوذا، وهذا ما يفسر لنا سر تولي داود الحكم فيما بعد على قبائل بني إسرائيل، ولمَّا كان داود قـد تـزوج من ميكـال ابنة شاءول، فقد كان صهراً للملك القديم، وهو ما جعله الخليفة الشرعي لحكم بني إسرائيل، خاصة وأن أبناء شاءول كانوا قد قُتلوا في موقعة جلبوع، فمسح أبناء قبيلة يهوذا داوداً وعينوه ملكاً عليهم.
ابتدأ حكم الملك داود (971-1010 ق.م.) على وجه التقريب، وبرغم أن داود كان في بداية حكمه خاضعاً لنفوذ أسياده الفلسطينيين، غير أنه تمكن في نهاية عهده من حكم أوسع رقعة من الأرض عرفتها المملكة الإسرائيلية، ولوقتٍ طويل كانت نظرة الفلسطينيين تجاه داود حيادية ـ أثناء الصراعات الإسرائيلية الداخلية ـ فداود كان قد التجأ إلى "مؤاب" لمّا أراد كسب حليف لـــه ضد غريمه شاءول، كما كان قد أبرم اتفاقاً مع الفلسطينيين، وبناءً عليه أقطعه الفلسطينيون "مدينة صقلغ"، فأصبح بطبيعة الأمر خاضعاً لهم، ولم يكن هذا الأمر سهلاً على داود، فهو موقف يناقض بصيرته الثابتة في الشئون السياسية والدبلوماسية، ويبدو أنه كان مرغماً عليه، والدليل على ذلك أنه لمَّا تولى الحكم أمر بالقضاء على سكان صقلغ بالــذات ( أي المدينة التي آوته من قبل)، فأمر بقتل جميع سكانها نساءً ورجالاً وأطفالاً، كما زعمـت التـوراة أن داود استطاع فيما بعـد من بنـاء دولتـه، واختـار أورشـليم(2) مركزاً لها، بعد أن دخلها مع مـرتزقته وسماها "مدينة داود" واستقدم داود تابوت العهد الذي أخذه الفلسطينيين، ووضعه في أورشليم، ليجعل من هذه المدينة مركزاً للرابطة بين الأسباط الأثنى عشر حدود مملكة داود:
كانت مملكة داود تمتد تقريباً من جبل الكرمل وتل القاضي إلى جبل الشيخ شمالاً وإلى حدود مصر ونهر الموجب جنوباً، وكانت تمتد إلى الصحراء شرقاً، وهذا أعظم اتساع لأي مملكة إسرائيلية، أما الساحل الفلسطيني الممتد شمالي يافا إلى جنوب غزة فكان تابعاً لمصر، ويتضح من ذلك أن كـل فلسطين لـم تقع تحت حكم الإسرائيليين حتى في ذروة فتوحاتهم، وهذا ما نميل إليه.
وتذكر بعض المراجع أن مملكة داود كان لها السيطرة على كل فلسطين والمناطق الصحراوية المحيطة بها وجزء كبير من سوريا، غير أن الكاتب الإسرائيلي "إسرائيل فنكلشتاين" يذكر أن من القضايا التي ذكرت في التوراة ويجب أن تُفسر بشكلٍ مغاير وفقاً للمكتشفات الأثرية الجديدة، وصف التوراة للملك داود كحاكمٍ لإحدى الدول الإمبريالية الأقوى في الشرق القديم، ففنكلشتاين يعتقد أن داود لم يكن سوى حاكم عسكري قبلي مع ضابط عسكري ممتاز.
وينفي الأستاذ أحمد عثمان ما جاء في سفر صموئيل الثاني، من أن داود كان قد استولى على مدينة القدس الحصينة من اليبوسيين أوائل القرن العاشر قبل الميلاد، وأن الوحيد الذي فتحت له هذه المدينة أبوابها لاستقباله في سلامٍ هو الفرعون المصري "تحتمس الثالث" قبل داود بخمسة قرون، لذا عُرفت فيما بعد باسم "أورشليم" أي "مدينة السلام". كما يؤكد أحمد عثمان أن قصة الإمبراطورية الإسرائيلية المترامية الأطراف إنما استعارها الكهنة لشحذ همة بني إسرائيل لكي يتعظوا بما جرى لهم فلا يعودون إلى عبادة الأصنام، كما أنه ليس صحيحاً ما جاء في سفر الملوك الثاني من أن مدينة القدس كانت عاصمة لمملكة يهوذا عندما حطمها "نبوخذ نصّر" فيما بعد عام 586 ق. م. ، لأنها كانت ما تزال في يد أصحابها اليبوسيين (الكنعانيين) الذين أفناهم جيش الملك البابلي عن أخرهم وترك مدينتهم حطاماً، فكل الأدلة المتوفرة تؤكد أن بني إسرائيل لم يدخلوا أبداً إلى أورشليم، ولم يقدسوا في معبدها؛ ولكن الإسرائيليين ـ الذين أصبحوا يهوداً بعدما فرض عليهم الكاهن عزرا تعاليمه وأوامر الملك الفارسي أرتحششتا حيث كان يعمل في بلاطه ـ العائدين من بابل هم أول من فعل ذلك بعد سقوط الإمبراطورية البابلية على يد "قورش" ملك الفرس، والجدير بالذكر أن كُتب التوراة الخمسة الأولى والمنسوبة إلى موسى هي فقط التي كُتبت خلال القرن السادس قبل الميلاد، أما أسفار العهد القديم الأخرى فلم تأخذ شكلها الحالي إلا بعد ذلك بثلاثة قرون.
كانت قبائل يهوذا تسكن المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة القدس الحصينة، لذلك نجد أن ادعاء كتبة سفر صموئيل الثاني بأن داود استولى على هذه المدينة ليس له أساس من الصحة، ورغم ذلك استمرت كتب أسفار الملوك التالية في اعتبار أورشليم عاصمة لمملكة يهوذا وإن كان من الواضح أن هذه المدينة لم تكن لها علاقة بما يجري من أحداث، وإنما أراد كتبة العهد القديم عند إعادة صياغة هذه الكتب جمع اليهود على مدينة يقدسونها مع تبرير حق لهم فيها، الأمر الذي لم يتم إلاَّ بعد دمار هذه المدينة وقتل سكانها الأصليين على أيدي البابليين.
وكان أهل يهوذا يقيمون مذابحهم وعباداتهم عند قمم الجبال العالية شأنهم في ذلك شأن باقي الشعوب الكنعانية، وكانت القدس بسبب وجود المسطح الصخري الواقع أعلى المدينة شمالاً، تعتبر أهم منطقة للعبادة في كل أرض كنعان، ولكن موقع المدينة الحصين ووجود أسوار قوية حولها، جعلها أقل عرضة لهجمات الأعداء إلى أن فتحت أبوابها لاستقبال "تحتمس الثالث" خلال القرن الخامس عشر قبل الميلاد عندما أدركت عدم جدوى مواجهة جيشه القوي فركز فيها الملوك المصريون فرقـة عسكريـة من المركبات والخيالة ثم أقام مذبح الصخرة وهذا ينفي ما زعمه سفر الملوك الأول من أن "سليمان بن داود" هو الذي قام ببناء هذا المعبد.
وعلى الرغم من أن الدراسات التاريخية الحديثة قد عجزت تماماً عن إثبات أي علاقة بين قبائل بني إسرائيل ومدينة القدس قبل منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، عندما سمح لهم الفرس بسكناها، إلاَّ أن المراجع التــاريخية لا تزال تصر على قبول روايات العهد القديم فيما يتعلق بهذه المدينة، وكان مبررهم هو عدم وجود مصادر تاريخية تغطي تلك الحقبة الزمنية سوى أسفار العهد القديم.
ولقد بُذلت عدة محاولات لمنع ظهور أي دليل تاريخي يبين عكس ما ذكرته أسفار العهد القديم خلال القرن العشرين، منها نتائج أعمال الحفريات التي تتعارض بشكل واضح وصريح مع هذه الروايات، وكان ممن عارض هذه الروايات البروفسور الأمـريكي "طوماس طومسون" أستاذ علم الآثار في جامعة ماركويت بولاية ميللوكي والذي كان جزاؤه الطرد من عمله عندما نشر نتيجة الدراسات التي قام بها في فلسطين والمتضمنة العديد من الأدلة القاطعة على عدم صحة الرواية التوراتية في هذا الصدد.
ويضيف أحمد عثمان أن ما جاء في رواية سفر صموئيل وسفر الملوك الأول بشأن إقامة داود لإمبراطورية تمتد فيما بين نهري النيل والفـرات أورثها لأبنه سليمان بعد موتـه ـ لم يكن لها وجود من الأساس، فداود لم يستطع السيطرة على هذه المنطقة فحسب بل لم يستطع السيطرة على جميع أرض كنعان.
والأدلة التاريخية تؤكد أن أكبر رقعة استطاعت دولة داود تحقيقها من "دان" (تل القاضي) في الشمال إلى "بئر السبع" في الجنوب، ولم يكن لبني إسرائيل وجود في أي موقع على الساحل الفلسطيني ولا في الجليل شمالي فلسطين باستثناء موقع صغير عند تل القاضي، وتشير الأدلة التاريخية إلى أن داود مثله في ذلك مثل شاءول من قبله، كان ملكاً يرأس تحالفاً من القبائل الإسرائيلية التي سكنت الهضاب الفلسطينية.
ويُلاحظ أن الكهنة أثناء وجودهم في بابل خلال القرن السادس قبل الميلاد قد أعادوا صياغة كتب العهد القديم، فاستعاروا من الكتابات المصرية قصة حروب "تحتمس الثالث" الذي قام بإنشاء إمبراطورية مصرية بين النيل والفرات والمنقوشة على جدران معبد الكرنك، وأضافوها إلى رواية ملكهم داود، بل أنهم لم يحاولوا مزج الجزء الذي استعاروه من المصادر المصرية، وأدخلوه كما هو دونما تعديل كبير في وسط الرواية الرئيسية، فظهر واضحاً أنه لا علاقة له بباقي القصة، فنجد داود ومعه جيشه المؤلف من 600 رجل يحاربون في صراع داخلي بين القبائل الإسرائيلية، أو مع الفلسطينيين، وفجأة ترد تفاصيل معركة كبيرة تخوضها جيوش منظمة في مواقع محصنة عديدة من أرض الهلال الخصيب، ولم يكن صدق الرواية التاريخية يهم الكهنة في شيء، بل كان هدفهم الرئيسي من ادعاء هذه الانتصارات العظيمة هو حث بني إسرائيل على ترك عبادة الأوثان والعودة إلى ديانة موسى.
والحقيقة، أن السبب الذي جعل الكهنة يختارون قصة تحتمس الثالث لصالح داود، ليس فقط لأن الملك المصري كان أول من استطاع بناء إمبراطورية اشتملت على معظم أجزاء العالم المعروف في عصره، وليس فقط لأن الجزء الأول من اسمه "تحوت" يصبح في العبرية "دود" وهو الاسم العبري لداود، وإنما أيضاً ـ حسب الأستاذ أحمد عثمان ـ لأن تحتمس الثالث هذا كان الملك المصري الذي أراد الزواج من سارة زوجة إبراهيم الخليل وجدة بني إسرائيل لمَّا حضرت إلى مصر مع إبراهيم، وإن كان لم يدخل بها(3)
ودولة داود في أقصى اتساع لها، كانت مائة وعشرين ميلاً في أطول أطوالها، وستين ميلاً في أعرض أعراضها، فإذا خرج الرجل من طلوع الشمس من القدس متجهاً ناحية الشرق أو الشمال أو الغرب، يكون بمقدوره بلوغ أطرافها في فترة وجيزة من الصباح، أي أنه لا يقطع أثني عشر ميلاً في أي من هذه الاتجاهات إلاَّ ويكون قد خرج من حدود تلك المقاطعة.
أقام داود علاقات طيبة مع جيرانه الفينيقيين في لبنان وساحل فلسطين الشمالي، إذ يبدو أنه كان خاضعاً لهم، وكانت العلاقة بين مملكة صور ممثلة بملكها حيرام وإسرائيل مبنية على المنفعة المتبادلة بينهما، فصور كانت فقيرة بالمحاصيل الزراعية بينما إسرائيل كانت بحاجة ماسة إلى المواد التي تنقلها التجارة البحرية، كما كانت بحاجة للخشب اللازم للبناء والموجود بوفرة في فينيقيا.
على أية حال، كان عهد داود في مجمله عهد يسر ورخاء، إذ بلغت في عهده الحياة السياسية والتجارية درجة عالية من التقدم في الوقت الذي احتفظ فيه الدين إلى حد بعيد ببساطته الأولى ونقائه القديم، والتفسير الوحيـد والمحتمل لأن تلصق التـوراة هـذه الصـور اللا أخلاقية بداود ومن بعده أبنه سليمان هو أنهما خرجا عن التقاليد العرفية لبني إسرائيل وتزوجا من غير بنات إسرائيل، فالمعروف تاريخياً أن سليمان كان قد تزوج العديد من النساء الأجنبيات واللاتي لا يدن بديانة يهوه.
مع اقتراب وفاة داود، بدأ الصراع يدب بين أبنائه تنازعاً على خلافته، غير أن داود تدخل في الأمر وحسم الموقف واختار سليمان وأمر بمسحه ملكاً على قبائل إسرائيل، ثم مات داود بعيد ذلك بزمن قصير
| |
|
walid مشرف
عدد الرسائل : 55 العمر : 39 تاريخ التسجيل : 06/02/2007
| موضوع: رد: حدود مملكة داود الثلاثاء فبراير 06, 2007 11:30 am | |
| الله يعطيك العافية اخونا محمد عالموضوع جد رائع | |
|