فاطمة تبعمرانت : العودة إلى جمالية وقيمة الاغنية الملتزمة
كاتب الموضوع
رسالة
hallou عضو مبتدئ
عدد الرسائل : 6 تاريخ التسجيل : 17/01/2007
موضوع: فاطمة تبعمرانت : العودة إلى جمالية وقيمة الاغنية الملتزمة السبت يناير 20, 2007 8:57 am
فاطمة تبعمرانت : العودة إلى جمالية وقيمة الاغنية الملتزمة
من المفارقات في إطار الحديث عن الثقافة الشعبية في المغرب، أن جل الإنتاجات والإبداعات الشفوية ظلت، ولاتزال مهددة بالضياع والتجاهل، رغم غناها كتجارب وتنوعها إذ تمتد عبر طول وعرض المملكة من الشمال نحو الجنوب، فكان التدوين بالحرف والكلمة (قبل التدوين السمعي البصري) مشروعا خجولا، لا يساير للأسف كثافة الكم وغزارة التنوع الدلالي والإيقاع الموسيقى الذى يسم الأغنية الشعبية مثلا، رغم حرص الدولة في السنوات الاخيرة على تدارك ذلك النقص والخصاص، من خلال مبادرتها بإحداث مؤسسات إما تكون تابعة لوزارة الثقافة أو مستقلة عنها، من أجل الاهتمام والحفاظ على الموروث الفني والثقافي الوطنيين، كما هو الشأن بالنسبة لإحداث مركز للدراسات والأبحاث الحسانية في العيون، والذي سرعان ما انضاف إليه مركز سيدي احمد الركيبي في السمارة، وكلاهما مهتم بالأدب الحساني الممتد انتشارا عبر شساعة أقاليمنا الجنوبية، وبعده إحداث أكاديمية ملكية في الرباط، تهتم بالشأن اللغوي والثقافي الامازيغيين عبر مختلف تمظهراته اللسنية (تاشلحيت ـ تامازيغت ـ تاريفيت)، بالإضافة للجهود التي تبذلها مؤسسة طارق بن زياد في مجال الثقافة الشعبية، وما تبذله مؤسسات وجمعيات أخرى مدنية متعددة في سبيل إماطة اللثام عن أوجه تراث فني أصيل يتميز بالتعددية، جهود كلها تحاول إبراز المظاهر الجمالية والإبداعية في ألوان فنية أصيلة كالملحون، فن العيطة، الطقطوقة الجبلية، عبيدات الرمى وغيرها من الاشكال الفنية التي لها جذور في تراثنا الوطني· وقد لعبت الجامعة المغربية دورا مهما في إطار التشجيع على البحث في المجال، سواء تعلق الأمر ببحوث نيل الإجازة أو بالأطاريح الجامعية، لكن جل تلك المجهودات ظلت عصارتها أسيرة رفوف الجامعات، دون أن تجد طريقها نحو الطباعة والنشر إلا فيما ندر، كما ساهمت القناة التلفزية الأولى، عبر برامج ومراحل متقطة لا تتميز بالتصاعدية أو الاستمرارية، في التعريف ببعض من أوجه ذلك الزخم الفني الغني، لكن عدم مرور المشهد السمعي البصري في المغرب نحو الجهوية والتعددية على مستوى إحداث قنوات خاصة، حرم الملايين من المهتمين من إرواء تعطشهم المعرفي فيما يرتبط بالألوان الثقافية والفنية الشعبية بالخصوص، وبقي الأمر مقتصرا في عموميته على تصوير سهرات غنائية بشكل موسمي لا يؤكد أبدا تعدد مستويات الإبداعية في تلك الفنون، فركزت المادة المقدمة غالبا على الوجه التجاري والفولكلوري الضيق، دون فسح المجال أمام التجارب الملتزمة أو التي لها صدى واسع بين أوساط المهتمين، وهنا، نذكر على سبيل المثال بأن ما تقدمه القناة الاولى من تجارب غنائية سوسية، لا يعبر بأي شكل من الاشكال عن الوجه الحقيقي للتراث الامازيغي، إن لم نقل بأن المادة المقدمة تكرس لجانب الميوعة والابتذال، عبر إفراغ الأغنية الامازيغية من حمولاتها الفكرية والفنية والاكتفاء منها بالشكل والرقص بالجسد وفق موضة أغاني العصر التي ساهم تعدد الفضائيات في استنساخها بشكل مخيف! أما الصحافة، فإنها لعبت بدورها دورا مهما في التعريف بالأغنية الأمازيغية، من خلال طرح قضاياها ورهاناتها، عبر مقالات ودراسات قيمة، اعتبرت من مصادر البحث في هذا المجال، قبل ظهور كتب مستقلة، تكون في الغالب مطبوعة على نفقة مؤلفيها، إن لم يضطلعوا أيضا بقضايا التوزيع، وفي ذلك تأكيد واضح على كون النشر في إطار الأغنية الأمازيغية وغيرها من الأشكال الفنية الشعبية قد يكون مغامرة كبيرة في ظل شروط وإكراهات النشر والتوزيع المستمرين، وإن ظهر الآن في الأفق نوع من الانفراج يخفف الى حد ما من تلك المعضلة، انفراج سجلنا بعضا من تجلياته بعد نفاد الطبعة الأولى من (كلام الغيوان) الذي نشره اتحاد كتاب المغرب بتنسيق مع الفنان عمر السيد·· وبإلقاء نظرة مختصرة حول الكتابات الصحفية والتأليفية حول الأغنية الامازيغية، يمكن القول بأنها تتفاوت ما بين التدوين الحرفي للنصوص، كما هو الأمر بالنسبة لمشروع الباحث محمد مستاوي، وبين الدراسات والتحليل مع اختلاف في المنهجية والرؤى، كما هو الشأن بالنسبة للأستاذ عمر أمرير والأستاذ أحمد عصيد، وبطبيعة الحال الأطاريح الجامعية المقيدة بمناهج أكاديمية صارمة، دون أن نتجاهل مجهودات، الأستاذ محمد ابزيكا الذي كان نشيطا في المجال، قبل المرض الذي أنهى مشواره العملي والثقافي مبكرا، وهو الذي كان يتميز بالشمولية في كتاباته حول الامازيغية وأدبها، إذ يضعها غالبا في محيطها العام الذي صدرت عنه، دون التركيز أو الانطلاق دائما من قاعدة المحلية المغلقة، فتراه يكتب عن تجربة إزنزارن عبد الهادي، ويحلل قصة حمو نامير، في نفس الوقت الذي يخصص فيه بحثه لنيل الإجازة لدراسة شعر أحمد فؤاد نجم وأغاني الشيخ إمام في مصر، وهذا اتجاه في الكتابة يعتبر نادرا في إطار الثقافة الامازيغية، ولم نجد أو نطلع له على مثال شبيه إلا في كتابات توفيقي بلعيد خاصة في إحدى دراساته حول القضية الفلسطينية في الشعر الامازيغي·· وإذا كان لي من رأي أو كلمة أدلي بهما حول هذه السلسلة من المقالات التي خصصنا بها فسحة هذا الصيف على أعمدة جريدة (الاتحاد الاشتراكي) الغراء، فإنما أجدد التأكيد بأنها مقالات لا أصبو الى أن تحقق شروط البحث أو المنهجية الصارمين، بقدر ما هي مقالات تعرف القارئ (وبالخصوص القارئ غير الناطق بالأمازيغية) على بعض المحطات والتجارب الغنائية في سوس، راعيت فيها التنوع الزمني والمضموني، لتكون في نهاية المطاف مقالات حميمية تربط الصلة بين القارئ وبين جزء من ذاكرة فنية وطنية تحتاج الى كثير من العناية والبحث والدراسة، فهي ثقافة أناس يكتبون بشفاههم ويقرأون بآذانهم كما يقول محمد مستاوي، وبالتالي تستحق التدوين والمساءلة النقدية اللازمة· وقد كان بودي أن يجد القارئ ضالته على مستوى نصوص بعض الرواد الذين لم يدرجوا ضمن هذه السلسلة، ولكن حالت دون ذلك عوائق خارجة عن الإرادة، أهمها صعوبة العثور على نصوصهم وأسطواناتهم، وربما كان ذلك حافزا إيجابيا على مواصلة البحث والكتابة في نصوص أخرى مستقبلا إن شاء الله· كما أؤكد بأن تعريب النصوص لا أدعي بأنه ترجمة فعلية لها، بقدر ما سعيت الى تقريب القارئ من المعنى قدر الإمكان، وأتحمل كامل القصور الذي يمكن أن ينتقد في هذا المجال·
في نهاية الثمانينات وأوائل التسعينيات حيث الساحة الغنائية الامازيغية بضربة قاسية جدا، تمثلت في رحيل عمالقة كبار في مقدمتهم الحاج محمد الدمسيري، وبعده كل من سعيد أشتوك وعمرو أهروش· وكان ذلك مبعث تخوف الكثيرين من فراغ ناجم عن ذلك الرحيل، خاصة على مستوى الصوت الملتزم الذي كان يضطلع به الدمسيري على وجه الخصوص، ليبدأ البعض يردد مقولة أفول نجم الاغنية الامازيغية ككل، وكأنها في عرفهم ترتبط بفرد كظاهرة إبداعية! وبالفعل، وإعمالا للنقد الموضوعي المرتكز على الواقعية، مورست عدة أساليب من أجل الظفر بموقع الدمسيري رحمة الله إلى درجة أنها في بعض الحالات حاولت الركوب على ما لايرتبط أصلالا بالابداعية ولا بالموهبة، من خلال محاولة بعض الفنانين إسقاط "الوراثة" أو "الوصية والمشيخة" عملا بالشيخ والمريد على المجال الفني، وقد تم ذلك من خلال الاعتماد على تسجيل صوتي سابق لصوت المرحوم الدمسيري قبل وفاته وهو يلتمس من هذا أو ذاك تسجيل بعض ابداعاته، وكأن ذلك معناه ان الثاني تكفيه تلك الشهادة الشفوي كي يقنع الجمهور بأنه فعلا موهوب، وبالتالي يمكن أن يكون جريئا في مستوى جرأة الدمسيري! والغريب، انه سرعان ما حدثت المفاجأة، لأن أمر التسجيل الصوتي والالتماس المذكورين سيتكرر مع أكثر من اسم وهو ما يجعلنا نعتبرها ظواهر شاذة وغريبة، من الصعب تفسير دوافعها لدى المرحوم الدمسيري ولا الظرفية التي سجلت فيها، ولماذا بالضبط؟! تلك وسيلة··· أما الوسيلة الثانية والتي حاول البعض الركوب عليها من أجل الاقناع بالالتزام واستحقاق الريادة، فلم تكن للأسف الشديد، سوى استغلال خطابات الامازيغية، وهو خطاب ليس بالسهل التظاهر بتبنيه لأنه لاينطلق من فراغ!··· مما جعل اصحابه يحققون مكاسب مادية من قناع "مغشوش" لفترة محددة قبل أن يفطن المتلقي إلى غياب أي التزام في نصوصهم ماداموا يحومون حول نفس الدائرة المغلقة لأنه وكما قلنا سابقا، لابد من وعي بخطاب ما وبشكل كاف قبل الابداع من أجله! صوت واحد اجتهد بوضوح واقنع المتلقي بوعيه الحاد قبل تجليات الابداع، هو صوت فاطمة بتعمرانت· لقد أتت فاطمة إلى مجال الفن، والاغنية تحديدا بعد عشق طفولي شديد له بين فضاءات البادية ورجع صدى جبالها·· وربما يكفي للحديث عن البدايات والدوافع أن نعود إلى تفاصيل السرد في فيلم فيديو امازيغي أدت فيه دور البطولة وهو فيلم انبنت قصته على وقائع من سيرتها الذاتية كفنانة: وهي طفلة، استطاع سحر الاغنية ان يلقي بظلاله على مشاعرها، فكانت الاعراس والمناسبات بمثابة قنوات لتصريف ذلك العشق الذي كان ينمو ويكبر كلما تقدمت بها السنين·· الشيء المؤكد، أنها طفلة قدر لها الزمن ان تغرد كشحرور حزين، إذ فقدت والدتها وهي بعد في سن تحتاج فيه إلى حنانها وعطفها كأية طفلة وطفل في الوجود، فكان رحيل الام صفة قوية، ستليها صفعة ثانية أشد تمثل في قساوة زوجة الأب ثم صفعة ثالثة بسجن والدها، وأخرى رابعة (وهذه غيرت مجرى حياتها) تجسدت في محاولة الاب تزويجها بشكل قسري دون رأسها، وهنا ستهرب نحو فضاء الفن الرحب·· والأجمل، أنك حين تعاين هذه الفنانة الرقيقة المشاعر، ستلاحظ اصرارها على البسمة والتفاؤل، وبالتالي تكاد لاترى كل مخلفات طفولة يتم وقهر وحرمان ولاترى ما فعله الدهر بهذا الصوت الغنائي، قبل أن يحقق ذاته وابداعيته! القليل هم أولئك الذين تساءلوا كيف نجحت تبعمرانت كممثلة منذ تجربتها الاولى امام الكاميرا؟ لأن الجواب الوحيد، لايكمن إلا في كونها شخصت دورها هي بالذات، فتماهت مع سيرتها الذاتية بشحنة من المشاعر والذاكرة كان من الممكن ان تشتغل افضل لو كان السيناريو والاخراج بحرفية اكثر فاعلية! على مستوى الوعي الفني، فإن تبعمرانت أبانت في عدة نصوص عن امتلاكها لوعي حاد بمحيطها العام، بل تمتاز عن جيلها الحالي من الروايس بكونها يمكن ان تخوض في نقاش مواضيع شتى بمعطيات تنم عن تحصيل يومي ومستمر للمدارك والمعارف، فتجدها مثلا تعمد إلى دخول تجربة النشر من خلال ديوانها الاول (هويتي) والذي تضمن عدة نصوص تغنت بها، كما أنها تفكر باستمرار في ابداع اغان للطفل، مما يعني أنها عصامية ذات رغبة أقوى في التثقيف الذاتي، الامر الذي نؤكد ضعفه في تجارب الجيل الحالي الروايس للأسف والذين ما إن تمنح لبعضهم فرصة استجواب تلفزي أو اذاعي صحفي حتى يفاجأ المشاهد المستمع والقارئ باللاوعي المطبق! حين تسأل فاطمة تبعمرات من أنت؟ تجيب بشعرها: نكازوند يالكتاب ءتيرسن: انا اشبه بكتاب مفتوح ءاوانا تنيران ءاكسي ءيغر: من شاء فليقرأنه ءاوانا يكابرن ءادور ءيغر: ومن كابر فليمتنع! وسنلاحظ ان اعتماد الكتاب كمشبه به، لم يرد بشكل اعتباطي، لأن أية قصيدة / اغنية تجدها بالفعل عبارة عن تنويعات موضوعاتية، تنشد التعدد والاختلاف، وهنا نؤكد بالفعل صعوبة التعامل مع نصوص تبعمرات الغنائية، نظرا لطولها أولا ولتعدد مجالات القول الشعري فيها ثانيا· والواقع ان طبيعة نصوصها لاتكون مطاوعة للتصنيف الآلي الجاهز ضمت مجال العاطفة أو بالمقابل المضاد ضمن مجال العقل، فالحضور المهيمن بشكل قوي هو إزاحة الحدود بين التصنيفين، فخطاب العاطفة يكون محاصرا بخطاب العقل، وهو بالفعل والتمام ما صرحت به حين قالت: ءاراك نتزي نكين دولينو : كثر ما أنبت فؤادي ماداس ءورنني د ـ ءيزاوارن: وكثرت شتائمي له ءوريي مشاوارن دلعاقل: لأنه لايشاور العقل ءا ما غاغ دلهوا ءادرضونت: فأنا أحاول نظم أغان رصينة إذن، لايهيمن على نصوصها "الغزل النسوي" كماهو عند فنانات أخريات إلى درجة الميوعة والسطحية، بقدر ما تحتاج نصوصا إلى متلق "سوي" يستطيع اعمال الفكر والعاطفة معا في معانيها، خاصة وأن تبعمرانت تهتم ببلاغة صورها الشعرية ورمزيتها· من ذلك تشخيصها للهم في مقطع احدى اغانيها بشكل بليغ حين تقول: خيويد ءيلهم ءيرامان نان ءيزايانغ: أتيت للهم بالجمال، فتبرمت من ثقله ءاويغاسد ءسيان ءاديسن غيرن زوارنتن: وأتيت له بالجياد قصد سباقها فكان فائزا ءاويغاسد ءولينو دلعاقل يامزييتن: وحين اتيته بقلبي وعقلي احتجزهما ءوهوي ءالهم ءولغنغ ءوريكي تادواريت: لاياهم! فؤادي ليس بيت ضيافة ءولاكان تامصريت ءلاكان ءيغكميتن: ولاغرفة ضيوف، هو ليس بممر ءوريكي ءيبلا ياوول ءيحوبان ءيهواوين: فهو مجرد قلب صغير يحب عشاق الاغنية إذ تم تجسيد "الهم" من خلال هذا المقطع أملا في تأدية معان رمزية بلاغية: ـ فتبرم المجال من ثقله، لايبقى أسير المدلول الحري للثقل ككلمة، بل من الممكن أن نؤول ضمن هذا المعنى معنى مضمرا لايعلن عن نفسه صراحة، وهو معنى مرتبط بتيمة الصبر، وهو ما يفيد بأن ارتباط الشاعرة بالهم يتحدد في كثرة المعاناة وعدم تحمل المزيد· ـ أما عجز الجياد عن مبارزة الهم (وهو يتخذ قناع الجواد الاكثر سرعة) فإن ذلك معناه صعوبة وضع حد لحركية الهم، الذي يمتد في الزمان والمكان بشكل افقي مسترسل، وهذا ما يزيد من معاناة الذات الشاعرة تجاهه· نستخلص من ذلك، ان علاقة الشاعرة بالهم تتميز بخاصيتين: الاولى كونه يقوي حدود ما يسمح به التحمل والثانية استمرارية حركيته
فاطمة تبعمرانت : العودة إلى جمالية وقيمة الاغنية الملتزمة