فتى القرآن:
إن ربط أبنائنا بالقرآن سبب من أسباب ثباتهم على الطريق المستقيم _بإذن الله جل وعلا_ فينبغي على الوالدين تعليم الطفل القرآن الكريم منذ صغره وقد قال السيوطي:
تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام فينشؤون على الفطرة وتسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال.
ولهذا قد تولى هذه المهمة كبار أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_، فقد روى أبو يعلى أن سعد بن أبي وقاص _رضي الله عنه_ كان يأخذ ولده مصعب، ويقول له: قد قال نبينا _صلى الله عليه وسلم_: خياركم من تعلم القرآن وعلمه ثم يأخذ بيد مصعب ويبدأ في تعليمه القرآن الكريم وكان أنس _رضي الله تعالى عنه_ يجمع أهله وأولاده بعد ختمه للقرآن وهاهو ابن عباس _رضي الله تعالى عنه_ قرأ المحكم وهو ابن عشر سنين واستمر الناس على مثل هذا الخلق العظيم فلقد كان القاضي الورع عيسى بن مسكين بعد صلاة العصر في كل يوم يدعوا ابنتيه وابنتي أخيه يعلمهن القرآن والعلم وكذلك فعل أسد بن الفرات بابنته أسماء بل من القصص العجيبة التي ذكرها الذهبي _رحمه الله_ في السير: أن الضحاك بن مزاحم معلم القرآن كان يطوف على حماره لكثرة طلابه فقد بلغ طلابه ثلاثة آلاف طالب وهذا يدل على اهتمام سلفنا الصالح بالقرآن الكريم.
والبيت الذي يُتلى فيه هذا القرآن بيت خير وبركة ولهذا قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: إن البيت الذي يُتلى فيه القرآن يتسع بأهله ويكثر خيره وتحضره الملائكة وتخرج منه الشياطين وأن البيت الذي لا يُتلى فيه كتاب الله -عز وجل- يضيق بأهله ويقل خيره وتخرج منه الملائكة وتحضره الشياطين وإذا أراد الإنسان أن يعرف هل هو محب لله ورسوله فليرَ اعتناءه بهذا القرآن العظيم قال ابن مسعود _رضي الله عنه_ لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا بالقرآن فإن كان يحب القرآن ويعجبه فهو يحب الله ورسوله.
ولذا فإنه من المناسب -أيها الإخوة والأخوات- إحياء مثل هذه البرامج التي تتعلق بكتاب الله -عز وجل- حتى يكون في بيوتنا لدينا فتى القرآن وكذلك فتاة القرآن.
ومن البرامج العملية والأفكار التي يمكن أن يستغلها ويستفيد منها الوالدان في إحياء كتاب الله -عز وجل- داخل بيوتهم الأفكار التالية:
• حكاية قصص وأمثال كتاب الله _سبحانه وتعالى_ فالله -عز وجل- يقول: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ" (يوسف:3) وأسلوب القصة له حلاوة وتشويق وله أثر مباشر وسريع أيضاً على السامع والقارئ والقصص في كتاب الله -عز وجل- كثيرة منها ما هو قديم في الأمم السابقة ومنها ما هو غيبي سيأتي.
فلهذا لنقص على أطفالنا قصص القرآن حتى نربطهم بهذا الكتاب العظيم وحتى يتعلقوا به ويبدؤوا في حفظه والاهتمام به فلنقص عليهم مثلاً: آداب العفة من خلال قصة يوسف وأدب العلماء في قصة موسى والخضر وطاعة الأب والأم في قصة إبراهيم ووالده الحرف وعمل اليد في قصة صناعة السفينة من قبل نوح _عليه السلام_ عن الإخوة وآدابها في قصة يوسف علامات آخر الزمان في نزول عيسى وقصة يأجوج ومأجوج وقصة الدابة إذا أردنا مثلاً أن نحدثهم عن الشر ونحدثهم عن طلب الشيطان وعن فرعون والسحرة وعن أصحاب الفيل وعن النمرود وغير ذلك إن هذه القصص لا شك أنها ستربطهم في هذا الكتاب برباط الحب والشوق والإعجاب وأنهم دائما ًيتشوقون لسماعه وسماع قصصه.
ولهذا أيها الوالدان الكريمان أيها المربي الفاضل: حبب القرآن إلى أبنائك من خلال جلسة يومية أو أسبوعية أو شهرية كل منهم يحمل القرآن بين يديه ويسمع ما يقصه عليهم والدهم أو تقصه عليهم أمهم بطريقة وبصورة مشوقة ومحببة.
• ومن الأشياء والأفكار التي تربطهم أيضاً بكتاب الله _جل وعلا_ المنافسة والمسابقة فيما بينهم فالتسابق بين النفس وخاصة هؤلاء الأبناء الذين يكونون في عمر الزهور والنشاط والحيوية يحبون التسابق والتنافس ولا شك أن المسابقة والمنافسة لها أهمية كبيرة في حياة الأبناء فالتسابق والتنافس ينمي فيهم الروح الجماعية والابتعاد عن الفردية ويدربهم على فهم الحياة فتارة يربح وتارة يخسر ومرة يعرف الجواب ومرة لا يعرف ولهذا جاءت السنة النبوية بحث الناس على التسابق في هذا القرآن الكريم.
فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول في الحديث الصحيح: "اقرأ وارتق ورتل فإن منزلتك عند أخر آية تقرأها" ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ أيضاً: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها" ويقول _عليه الصلاة والسلام_ أيضاً فيما أخرجه أحمد ابن ماجه: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة".
كل هذه الأحاديث تدلنا على أهمية إحياء التنافس بين أبناءنا في هذا القرآن الكريم حتى يتعلقوا به ويحرصوا على تلاوته وحفظه.
ولهذا حببهم في هذا القرآن من خلال التنافس فيما بينهم في مسابقة كأن تقول لهم: من يخبرني كم جزءا في القرآن ؟ وكم حزب فيه ؟ كم عدد السور ؟ كم عدد الآيات ؟ كم عدد مواضع سجود التلاوة ؟ ما هي أسماء الأنبياء ؟ أو أسماء البلدان في القرآن ؟ أو الأقوام ؟ أو أسماء الحيوانات ؟ أو النباتات ؟ أو ما هي المهن التي ذكرت في كتاب الله -عز وجل- ؟ من يذكر لي سبب نزول سورة كذا ؟ أي سورة تعدل ثلث القرآن ؟ ما اسم عروس القرآن ؟ أي سورة تعصم من الجدال ؟ ما السورة التي تقرأ عند النوم ؟ وغيرها وغيرها من الأسئلة التي لا شك تحيي روح التنافس بين أبنائك والخلاصة -أيها الوالدان الكريمان-: اجعلا القرآن الكريم موضوع المسابقة والمنافسة بين الأبناء وأنت ذاهب إلى المدرسة وفي السيارة وفي النزهة وفي رحلة طويلة أو قصيرة حتى يتعلق الأبناء بكتاب الله -عز وجل- ويكون حبهم له أوسع.
• ومن الأفكار العملية أيضاً: أن تلتقي الأسرة في آخر كل أسبوع أو في يوم يحدد لهم في مكان رائع وهادئ وجميل تلتقي الأسرة فيه ويبدأ كل واحد منهم بتلاوة شيء من كتاب الله _جل وعلا_ وحبذا لو كان هناك تعليق من الأب أو الأم.
• ومن الأفكار العملية أيضاً: أن يكون القرآن شفيعاً له في الدنيا فلقد ثبت عن نبينا _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "البقرة وآل عمران تشفعان لصاحبهما" وفي الحديث الآخر أيضاً عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "يأتي القرآن والصيام شفيعاً يوم القيامة" فلم لا نجعل القرآن أيضاً شفيعاً لأبنائنا في هذه الحياة الدنيا فنقول مثلاً لابننا الحافظ أو الذي انتهى من ورده وقد ارتكب إساءة معينة نقول له سامحناك لأنك قرأت جزءاً أو حفظت سورة الكهف أو قرأت سورة الكهف يوم الجمعة إننا بهذه الطريقة سوف نحببهم في القرآن ونجعلهم يتعلقون به ويحبوه لأنه كان لهم شفيعاً في الدنيا قبل الآخرة.
ومن خلال هذه البرامج التي ذكرناها أو الأفكار العملية يمكن فعلاً أن يتعلقوا بكتاب الله -عز وجل- إلا أننا ينبغي أن نضيف إليها فكرة أخرى وبرنامجاً مهماً حتى يتعلقوا بهذا القرآن الكريم حفظهم لسور منه أو حفظه كاملاً وهذه أهم مرحلة تجعلهم يتعلقون بكتاب الله _سبحانه وتعالى_ ويمكن أن نجعل الحفظ بمستويات مختلفة على حسب أعمار الأبناء فنجعل مثلاً آيات منثورة أو سور معينة أو أجزاء ويمكن أيضاً أن يختلف أسلوب الحفظ فتارة قد يكون أسلوب فردي أو ثنائي أو جماعي من خلال حلقة قرآن كريم أو غير ذلك.
ومن المهم عندما نبدأ معهم في هذا المشروع في داخل بيوتنا أو إلحاقهم بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم أن نذكرهم بأمور:
• أن نذكرهم بفضل العمل الذي يقومون به.
• وأن من حفظ كتاب الله -عز وجل- لن تمسه النار كما ذكر ذلك النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما في جامع الترمذي.
• تقديم مكافأة لهم بين مدة وأخرى وينبغي أن تتعدد أشكال المكافأة ولا تكن دائماً مكافأة مالية.
• أيضاً متابعته فإن بعض الأبناء يحفظ جزءاً كبيراً من كتاب الله جل وعلا ولكن لا يجد متابعة في داخل البيوت وحبذا لو تابع الوالد والوالدة الحفظ الموجود عند ولدهم وتشجيعه في الاستمرار في حفظ كتاب الله _سبحانه وتعالى_.
• يمكن أيضاً تكريمه بحفل خاص به لتجاوزه لعشرة أجزاء أو خمسة أجزاء أو جزء إن كان صغيراً في السن.
• إشراكه في المسابقات سواء كانت المسابقات على مستوى المسجد أو على مستوى منطقة معينة أو غير ذلك.
• ومن الأشياء اللطيفة التي ينبغي أن يحرص عليها الوالدان مصاحبته إلى الحلقة كأن يذهب به الوالد إلى الحلقة حتى يشعر الولد باهتمام والده به.
وهذه الأفكار ستعينه _بإذن الله تعالى_ وستعينك أيها الوالد في تحبيبه بالحفظ وأن تجعله أيضاً مستمراً فيه حتى ينجز أكبر قد ممكن في فترة قليلة على أن يكون حفظه قوياً وثابتاً أيضاً في صدره.